مدونتي
ما لي شغل بالسياسة!

نلقى في حياتنا يومياً من يهتمون بمختلف القضايا، لكن عند التطرق لجوانب قد تتعلق بالسياسة، نجدهم يردون بعبارات مثل: “يا أخي ما لي شغل بالسياسة” و “لا تدخلنا في السياسة” و “اش لنا بالسياسة و بلاويها”. هذه الردود و غيرها لها أسبابها، منها أن بعض هؤلاء فعلاً لا يهتم بالسياسة، إذ أننا نعيش في بلدان لا توجد فيها مشاركة شعبية حقيقية، و الحديث في القضايا السياسية مضيعة وقت. النوع الآخر هو الذي يخشى أن يطاله الأذى، خصوصاً في ظل انتشار الحالة الأمنية التي يمكن أن تجر الشخص وراء الشمس. أنا أهتم بقضايا مثل التعليم و الصحة و المواصلات، و قررت أن ألعب دور الشخص غير المهتم بالسياسة.

عندما أتحدث عن التعليم الحكومي، لا يمكن إلا أن أتحدث عن مصائب مقارنة بالتعليم الخاص الذي يقدر عليه أصحاب الأموال و الطبقة المخملية. أبدأ من المناهج المطبقة، تلك المناهج الرديئة التي لا زالت تطلب نفس المتطلبات من الطلاب. لا تزال عملية التقييم تعتمد على الحفظ و الحفظ فقط، دون أن يتعلم الطالب مهارات مهمة تنفعه و لا ينساها مثل الأشياء المطلوب حفظها و التي عادة ينساها الطالب بسرعة. لا زالت كثرة الواجبات مفروضة على الطلاب بالأخص طلاب المرحلة الابتدائية. لا تزال مشكلات الطلاب الأقل حظاً موجودة، و أعني بالأقل حظاً هؤلاء الذين يعانون من صعوبات التعلم و لا نجد من يساندهم، و لأنهم من أسر بالكاد تؤمن لقمة عيشها، فهم يعانون الأمرين في مسيرتهم التعليمية، لا أحد يستطيع مساندتهم في دروس خصوصية، و لا هم يستطيعون الالتحاق بمعاهد التقوية التي تكلف مبلغاً لا يستطيع دفعه إلا المتمكن مادياً. لا يزال القطاع التعليمي يفتقر للمعلم المؤهل بالكامل ليؤدي وظيفته بأكمل وجه. الأمر هنا لن يكون دون قرار يفرضه وزير التربية في بدء عملية إصلاح قطاع التعليم. من؟ وزير التربية؟ … “ما لي شغل بالسياسة، عندنا أحسن تعليم بين العرب”.

ماذا عن القطاع الصحي؟ مشكلة القطاع الصحي لدينا قديمة. ليس لدينا إلا مستشفى واحد يخدم البلد بأكمله. بقية المؤسسات الصحية عبارة عن مراكز صحية. في المركز الصحي لا يوجد أي نوع من العلاج الذي يقدم للمريض. كل ما يمكن أن يقدم للمريض في المركز الصحي هو استشارة من طبيب عام حول الحالة الصحية التي تصيب المريض المراجع، و ثم يعطى أدوية تساهم في تخفيف حالته. الأمر الوحيد الذي يفيد هو في حالة الأسنان، إذ أن العلاج الوقائي موجود في المراكز الصحية. في حالة استعصت حالة المريض المراجع، فإنه يحول على المستشفى الوحيد، و أقصد مجمع السلمانية الطبي. المكان الوحيد الذي يخدم عموم المواطنين و فيه يقدم العلاج و تجرى العمليات الجراحية. هذا بعد انتظار الموعد الذي قد يصل عدة أشهر، و هذا إن وجد المريض غرفة مناسبة تأويه في حال احتاج للبقاء في المستشفى. الحل الأمثل للشخص هو الذهاب للمستشفيات الخاصة. ماذا فعلت وزيرة الصحة لتطوير القطاع الصحي؟ “وزيرة؟ لا يا أخي، فكنا من السياسة”.

الخدمات التي تقدمها الدول للمواطنين تشمل المواصلات العامة. لكن ماذا عنها؟ الطبيعي لأي فرد إن أراد الذهاب لأي مكان أن يمتلك سيارته الخاصة التي تقله لأي مكان يريد الذهاب إليه. لكن مع كثرة السيارات، كثرت الازدحامات المرورية، و صار تعطل الشخص في الشارع أمراً طبيعياً. فكان الحل إنشاء شبكة من الجسور و الأنفاق التي كانت بدايتها مزيد من التعطيل لكنها لم تحل المشكلة بالكامل. هنا يأتي دور المواصلات العامة، خدمة المواصلات العامة لا تغطي كل منطقة. كثر الحديث عن إنشاء مترو بحيث يغطي المناطق الأكثر ازدحاماً و اكتظاظاً، لكن ما رأينا من تلك الحديث أي دليل ملموس. قد كان وزير المواصلات … “و بعدين وياك؟”.

أتلاحظون معضلة في الثلاث حالات المذكورة؟ في الحالات السابقة نتحدث عن قضايا قد لا يعلم الشخص الذي يدعي أنه لا يهتم بالسياسة أنها سياسية. السياسة ليست شؤون الحكم و السلطة فقط. السياسة إطار شامل يجمع كل شؤون البلد و الخدمات المقدمة للمواطنين، و هذا يشمل التعليم و الصحة و المواصلات و البطالة و غيرها من الخدمات. الاعتراض على سوء الخدمات هو نوع من النشاط السياسي، و الاعتراض هنا دليل وعي بالمشكلة، و أن أي نوع من القصور فإنه نتيجة ضعف حكومي يستدعي الاعتراض و المساءلة حتى ننهض بالخدمات.

قبل عدة أيام كان لي موعد في مجمع السلمانية الطبي، المستشفى الوحيد في البلد، الجانب الإيجابي أنني لم أنتظر كثيراً قبل الموعد، لكن الجانب السلبي أنني أضعت وقتي و بعض المال في حجز موقف سيارات. كان ذلك الموعد من أجل كشف عارض صحي (في منطقة حساسة) ظل ملازماً لي لأشهر، لكنه في هذه المرة كان ذو تأثير واضح و جلي. ذهبت من أجل العلاج، لكن ما كان يوجد أي علاج سوى تشخيص خاطئ لحالة مرضية لا أعاني منها. الذي جعلني أكتشف أن هذا التشخيص خاطئ مجموعة الأدوية التي حصلت عليها من الصيدلية التي تتبع مجمع السلمانية الطبي. أعرف أحد الأدوية التي وصفت لي، و أعلم تماماً أنها لا علاقة لها بحالتي، عندها بحثت عن بقية الأدوية و عن المكونات الفعالة و تأثيرها، و تأكد لي أكثر أن هذه الأدوية لا علاقة لها بحالتي حقاً. من المسؤول في هذه الحالة؟ لكن هل يحق لي أن أعترض؟ السياسة تحيط بنا رغماً عنا، و تأثيرها علينا واضح و جلي، لذا لا يمكن الانفكاك عن السياسة مهما ادعى الشخص الذي يدعي عدم اهتمامه بالساسة أنه لا يهتم بالسياسة.


تاريخ آخر تعديل 2020-09-18